كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


عدوا من خصائص نبينا صلى اللّه عليه وسلم وأمته المسح على الخف‏.‏

- ‏(‏حم‏)‏ من حديث مكحول بن الحارث بن معاوية الكندي وأبي جندل ‏(‏عن بلال‏)‏ بن رباح بموحدة مولى أبي بكر قال مكحول‏:‏ كان الحارث بن معاوية الكندي وأبو جندل بن سهيل يتوضآن فذكر المسح على الخفين فمر بهما بلال المؤذن فسألاه عن ذلك فقال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وآله وسلم يقول فذكره‏.‏

1645 - ‏(‏امسح‏)‏ ندباً ‏(‏رأس اليتيم‏)‏ أل فيه للعهد الذهني على وزان ‏{‏وأخاف أن يأكله الذئب‏}‏ والمراد بعض من الحقيقة غير معينة ولهذا كان في المعنى كالنكرة إذ ليس المراد يتيماً معيناً ولا كل فرد من أفراد اليتامى ولا ذئباً معيناً ولا كل ذئب ‏(‏هكذا إلى مقدم رأسه‏)‏ أي من المؤخر إلى المقدم ‏(‏ومن‏)‏ كان ‏(‏له أب هكذا إلى مؤخر رأسه‏)‏ أي من المقدم إلى المؤخر والأمر للندب لا للوجوب كما تقرر‏.‏

- ‏(‏خط‏)‏ في ترجمة محمد بن سليمان الهاشمي ‏(‏وابن عساكر‏)‏ في التاريخ ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ ثم قال الخطيب‏:‏ لا يعرف لمحمد بن سليمان غير هذا الحديث‏.‏ وقال ابن القطان‏:‏ هو محمد بن سليمان عن أبيه عن جده الأكبر ابن عباس وسليمان لا يعرف حاله في الحديث وكان أمير البصرة وجاء في حديث البزار عن ابن عباس أنه وضع كفه على مقدم رأس اليتيم مما يلي جبهته ثم أصعدها إلى وسط رأسه ثم أحدرها إلى مقدم أوائل جبهته ومن كان له أب وضع كفه على مقدم رأسه مما يلي جبهته ثم أصعدها إلى وسط رأسه‏.‏ ورواه الطبراني في الأوسط بنحوه لكنه قال إذا لقيتم الغلام يتيماً فامسحوا رأسه هكذا إلى قدام فإذا كان له أب فامسحوا رأسه هكذا إلى خلف من مقدمته قال الحافظ العراقي وفيه محمد بن سليمان بن علي ضعيف‏.‏

1646- ‏(‏أمسك عليك‏)‏ يا كعب بن مالك الذي جاءنا تائباً معتذراً عن تخلفه عن غزوة تبوك مريداً للانخلاع من جميع ماله صدقة ‏(‏بعض مالك‏)‏ وانخلع عن بعضه بأن تتصدق به ‏(‏فهو خير لك‏)‏ من التصدق بكله لئلا تتضرر بالفقر وعدم الصبر على الفاقة فالتصدق بجميع المال غير محبوب إلا لمن قوي يقينه كالصديق ومن قاربه ممن له شدة صبر وكمال وثوق وقوة توكل وقليل ما هم فلذلك منع كعباً من التصدق بجميع ماله دون أبي بكر رضي اللّه عنه وفيه دلالة على صحة التصدق بالمشاع إذ لم يفرق فهو حجة على مانعه‏.‏

- ‏(‏ق 3 عن كعب بن مالك‏)‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه إن من توبتي ‏[‏ص 195‏]‏ أن أنخلع من مالي صدقة للّه ورسوله فذكره‏.‏

1647 - ‏(‏امش‏)‏ يعني اذهب وخص المشي لكونه أولى ‏(‏ميلاً‏)‏ ثلاثة فراسخ ‏(‏عد مريضاً‏)‏ مسلماً ‏(‏امشي‏)‏ بدل مما قبله ‏(‏ميلين أصلح بين اثنين‏)‏ رجلين أو فئتين يعني حافظ على فعل ذلك ولو كان عليك فيه مشقة كأن يمشي إلى محل بعيد فإنه قربة مؤكدة ينبغي الاعتناء بها لمزيد فضلها ‏(‏امش ثلاث أميال زر أخاً في اللّه‏)‏ تعالى وإن لم يكن من النسب وبين به أن الثالث أفضل وأهم وأكد من الثاني وأن الثاني أفضل من الأول والأمر في الكل للندب فالميل للتكثير والمراد امش مسافة طويلة لعيادة المريض وامش ولو ضعفها للصلح وامش ولو ضعفيها للزيارة‏.‏

- ‏(‏ابن أبي الدنيا‏)‏ أبو بكر الفرشي ‏(‏في الكتاب‏)‏ فضل زيارة ‏(‏الإخوان عن مكحول‏)‏ الدمشقي ‏(‏مرسلاً‏)‏ ظاهر كلام المصنف أنه لم يقف عليه مسنداً وهو عجب فقد خرجه البيهقي عن أبي إمامة لكن فيه علي بن يزيد الألهاني قال البخاري منكر الحديث وعمر بن واقد متروك‏.‏

1648 - ‏(‏امشوا أمامي‏)‏ أي قدامي ‏(‏خلوا‏)‏ فرغوا ‏(‏ظهري للملائكة‏)‏ ليمشوا خلفي وهذا كالتعليل للأمر بالمشي أمامه وبه يعرف أن غيره من الأمة ليس مثله في ذلك لفقد المعنى المعلل به ومن ثم عد ذلك من خصائصه ولهذا صرحوا بأن الطالب إذا مشى مع الشيخ فليكن أمامه بالليل وورائه نهاراً إلا أن يقتضي الحال خلاف ذلك لنحو زحمة‏.‏ قال المؤلف‏:‏ ومن خصائصه سير الملائكة معه حيث سار يمشون خلف ظهره‏.‏

- ‏(‏ابن سعد‏)‏ في الطبقات ‏(‏عن جابر‏)‏ بن عبد اللّه قال‏:‏ خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال لأصحابه امشوا إلى آخره ورواه عنه أيضاً بهذا اللفظ أبو نعيم في الحلية وقال تفرد به الجارود بن يزيد عن سفيان‏.‏

1649 - ‏(‏امط‏)‏ أزل ندباً ‏(‏الأذى عن الطريق‏)‏ من نحو شوك وحجر وكل ما يؤذي السالك فيه ‏(‏فإنه لك صدقة‏)‏ أي تؤجر عليه كما تؤجر على الصدقة فإنه تسبب إلى سلامة من يمر عليه من الأذى فكأنه تصدق عليه بذلك فحصل له أجر الصدقة وقد جعل المصطفى صلى اللّه عليه وسلم الإمساك عن الشر صدقة على النفس فإماطته مندوبة ندباً مؤكداً والظاهر أن المراد الطريق المسلوك أما المهجور فليس مثله في أصل الندب أو تأكده وأنه لو كان الطريق مختصاً بنحو قطاع أو حربيين أنه لا يندب فيه ذلك بل لو قيل يطلب أن يلقى فيه ما يؤذي لكان قريباً‏.‏

- ‏(‏خد عن أبي برزة‏)‏ بفتح الموحدة والزاي بينهما راء ساكنة الأسلمي فضلة بن عبيد على الصحيح مات سنة ستين وكذا رواه عنه الديلمي كالطبراني‏.‏

1650 - ‏(‏أمك‏)‏-وسببه كما في الترمذي عن بهز بن حكيم قال حدثني أبي عن جدي قال قلت يا رسول اللّه من أبر قال أمك فذكره وأبر بفتح الهمزة والياء الموحدة وتشديد الراء مع الرفع أي من أحق بالبر- قال ابن السيد‏:‏ سميت أماً لأنها أصل الولد وأم كل شيء أصله كما قالوا لمكة أم القرى ‏(‏ثم أمك ثم أمك‏)‏ بنصب الميم في الثلاثة أي قدمها في البر يا من جئتنا تسأل عمن تبر أولاً‏.‏ قال الزين العراقي‏:‏ هذا هو المعروف في الرواية فهو من قبيل ‏{‏يسألونك ماذا ينفقون قل العفو‏}‏ ويجوز الرفع هنا كما قرئ به ثم لكن يرجح النصب قوله الآتي ثم أباك إلا أن يقال إنه جاء على لغة القصر انتهى‏.‏ والخطاب وإن كان لواحد لكنه عام وكرره للتأكيد أو إشعاراً بأن لها ثلاثة أمثال ما للأب من البر لما تكابده وتعانيه من المشاق والمتاعب في الحمل والفصال في تلك المدة المتطاولة فهو ‏[‏ص 196‏]‏ إيجاب للتوصية بالوالدة خصوصاً وتذكير لحقها العظيم مفرداً إذ لها من الحقوق مالا يقام به كيف وبطنها له وعاء وحجرها له حواء وثديها له سقاء ‏(‏ثم‏)‏ قدم ‏(‏أباك‏)‏ فهو بعد الأم وقوله ثم أباك قال في الرياض‏:‏ نصب بفعل محذوف أي ثم برأ أباك قال في رواية ثم أبوك قال‏:‏ وهذا واضح وقد حكى في الرعاية الإجماع على تقديمها عليه قال ابن بطال‏:‏ وهذا إذا طلبا فعلاً في وقت واحد ولم يمكن الجمع وإلا وجب لأن فضل النصرة أهم ما يجب رعايته بعد فضل التربية ‏(‏ثم‏)‏ بعد الأب وأبيه أن علا قدم ‏(‏الأقرب‏)‏ منك ‏(‏فالأقرب‏)‏ فتقدم الأب فالأولاد فالأخوة والأخوات فالمحارم من ذوي الأرحام كالأعمام والعمات قال الزين العراقي‏:‏ وجاء في حديث بعد الأب ثم أختك وأخاك وهل يؤخذ من تقديمه الأخت رجحان حقها في الصلة على الأخ كما ذكر في الأم أو هما سواء وإنما قدمها لمناسبة قوله أمك ثم أباك كل محتمل والأول أقرب وأراد بالبر ترك العقوق وكما أن العقوق له مراتب فالبر كذلك انتهى‏.‏ ويؤخذ مما تقرر أن الكلام في غير النفقة أما هي فيقدم نفسه ثم زوجته ثم ولده الصغير ثم الأم ثم الأب‏.‏

من كلامهم الأب أعرف وأشرف والأم أرحم وأرأف قال في شرح النوابغ‏:‏ وحكمة كون الأم أشفق على الولد من الأب أن خروج ماء المرأة من قدامها من بين ثدييها قريباً من القلب وموضع المحبة القلب والأب خروج مائه من وراء الظهر قال الإمام المرغيناني‏:‏ وإنما نسب الولد إلى الأب مع أنه خلق من مائهما لأن ماء الأم يخلق منه الحسن والجمال والسمن والهزال وهذه الأشياء لا تدوم بل تزول وماء الرجل منه العظم والعصب والعروق ونحوها وهي لا تزول في عمره فلذلك نسب إليه دونها‏.‏ وقال الحكيم‏:‏ إنما صيرنا الحكم للأب لأن أصل الجسد من مائه لأن العظم والعصب والعروق منه ومن الأم اللحم والدم والشعر والجلد ونحوها والعظم نحوه إذا ذهب ذهب الجسد واللحم كسوة قال تعالى ‏{‏فكسونا العظام لحماً‏}‏ فلذلك العصوبة والولاية له دونها‏.‏

- ‏(‏حم ت د‏)‏ كلهم ‏(‏عن معاوية بن حيدة‏)‏ بفتح المهملة وسكون التحتية وفتح المهملة ابن معاوية القشيري جد بهز بن حكيم‏.‏ قال الترمذي‏:‏ حسن صحيح‏.‏ ‏(‏ه عن أبي هريرة‏)‏ قال‏:‏ قلت يا رسول اللّه من أحق الناس بحسن الصحبة فذكره وهو في مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك أدناك‏.‏

1651 - ‏(‏أملك يدك‏)‏ أي اجعلها مملوكة لك فيما عليك وباله وتبعته واقبضها عما يضرك وابسطها فيما لا ينفعك‏.‏ قال الطيبي‏:‏ هذا وما بعده من أسلوب الحكيم سأله رجل عن حقيقة النجاة فأجابه عن سببه لأنه أهم بحاله وأخرجه على سبيل الأمر المقتضي للوجوب زيادة في التقرير والتقريع‏.‏

- ‏(‏تخ عن أسود‏)‏ ضد أبيض ‏(‏بن أصرم‏)‏ المحاربي عداده في أهل الشام وروايته فيهم ورواه عنه أيضاً الطبراني‏.‏ قال الهيثمي‏:‏ وإسناده حسن‏.‏

1652 - ‏(‏أملك عليك‏)‏ يا من سألت منا النجاة ‏(‏لسانك‏)‏ بأن لا تحركه في معصية بل ولا في فيما لا يعنيك فإن أعظم ما تطلب استقامته بهذا القلب اللسان فإنه الترجمان وقد سبق أن اللسان فاكهة الإنسان وإذا تعود اللسان صعب عليه الصبر عنها فبعد عليه النجاة منها ولهذا تجد الرجل يقوم الليل ويصوم النهار ويتورع عن استناده إلى وسادة حرير أو قعوده عليه في نحو وليمة لحظة واحدة ولسانه يفري في الأعراض غيبة ونميمة وتنقيصاً وإزراءاً ويرمي الأفاضل بالجهل ويتفكه بأعراضهم ويقول على ما لا يعلم وكثيراً ممن نجده يتورع عن دقائق الحرام كقطرة خمر ورأس إبرة من نجاسة ولا يبالي بمعاشرة المرد والخلوة بهم وما هنالك وما هو إلا كأهل العراق السائلين ابن عمر عن دم البعوض وقد قتلوا الحسين رضي اللّه تعالى عنه‏.‏

- ‏(‏ابن قانع‏)‏ أحمد في المعجم ‏(‏طب عن الحارث بن هشام‏)‏ بن المغيرة المخزومي أخو أبي جهل وهو الذي ‏[‏ص 197‏]‏ أجارته أم هانئ يوم الفتح وقيل غيره مات بالشام مرابطاً قال قلت يا رسول اللّه أخبرني بأمر أعتصم به فذكره‏.‏ قال الهيثمي‏:‏ رواه الطبراني بإسنادين إحداهما جيد‏.‏

1653 - ‏(‏أملك عليك لسانك‏)‏ أي احفظه وصنه لعظم خطره وكثرة ضرره‏.‏ قال ذو النون رضي اللّه عنه‏:‏ أصوم الناس لنفسه أملكهم للسانه‏.‏ وقال ابن مسعود أو عمر‏:‏ ما على الأرض أحوج إلى طول سجن من اللسان‏.‏ قال حجة الإسلام رضي اللّه عنه‏:‏ معنى حفظ اللسان من الكذب فلا ينطق به في جد ولا هزل لأنه إن نطق به هزل تداعى إلى الجد والخلف بالوعد بل ينبغي أن يكون إحسانك فعلاً بلا قول والغيبة فإنها أشد من ثلاثين زنية والمراد الجدال والمنافسة وتزكية النفس واللعن والدعاء على الخلق والمزاح والسخرية والاستهزاء بالخلق ونحو ذلك انتهى‏.‏ قال بعض الحكماء‏:‏ لا شيء أحق بالسجن من اللسان وقد جعله خلف الشفتين والأسنان ومع ذلك يكثر القول ويفتح الأبواب ‏(‏وليسعك بيتك‏)‏ سيما في زمن الفتن‏.‏ قال الطيبي‏:‏ الأمر في الظاهر وارد على البيت وفي الحقيقة على المخاطبة أي تعرض لما هو سبب لزوم البيت من الاشتغال باللّه والمؤانسة بطاعته والخلو عن الأغيار ‏(‏وابك على خطيئتك‏)‏ أي ذنوبك، ضمن بكى معنى الندامة وعداه بعلى أي اندم على خطيئتك باكياً فإن جميع أعضاءك تشهد عليك في عرصات القيامة بلسان طلق ذلق تفضحك به على ملإ من الخلق ‏{‏يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون‏}‏ ‏(‏تتمة‏)‏ قال في الحكم‏:‏ ما نفع القلب شيء مثل عزلة يدخل فيها ميدان فكره كيف يشرق القلب وصور الأكوان منطبع في مرآته أم كيف يرحل إلى اللّه وهو مكبل بشهواته أم كيف يطمع من يدخل حضرة اللّه وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يتب من هفواته‏.‏

قال ابن الحاج‏:‏ عذل بعضهم عن الانعزال في خلوته فقال‏:‏ وجدت لساني كلباً عقوراً قل أن يسلم منه من خالطه فحبست نفسي ليسلم المسلمون من آفاته‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ في الزهد ‏(‏عن عقبة بن عامر‏)‏ الجهني قال‏:‏ لقيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم فقلت‏:‏ ما النجاة فقال‏:‏ أملك إلخ وهذا الجواب من أسلوب الحكيم سأل عن حقيقة النجاة فأجابه عن سببه لأنه أهم بحاله وأولى وكان حق الظاهر أن يقول حفظ اللسان فأخرجه على سبيل الأمر المقتضي للوجوب مزيداً للتقرير والاهتمام كذا قاله المصنف تبعاً لعبد الحق في أحكامه‏.‏ قال ابن القطان‏:‏ وهو خطأ إنما هو عن أبي أمامة وسكت عنه والترمذي إنما قال حسن وهو إلى الضعف أقرب فإنه من رواية يحيى بن أيوب عن عبيد اللّه بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال في المنار وكلهم متكلم فيه‏.‏

1654 - ‏(‏املكوا العجين‏)‏ أي أنعموا عجنه وأجيدوه ‏(‏فإنه أعظم للبركة‏)‏ أي أكثر لزيادة الخير والنمو فيه يقال ملكت العجين وأملكته إذا أنعمت عجنه وأجدته‏.‏ قال ابن الأثير‏:‏ أراد أن خبزه يزيد بما يحتمل من الماء بجودة العجن انتهى‏.‏ وفي رواية ذكرها في النهاية املكوا العجين فإنه أحد الربيعين‏.‏

- ‏(‏عد عن أنس‏)‏ ظاهر كلام المصنف أن ابن عدي خرجه وأقره والأمر بخلافه فإنه أورده في ترجمة سلامة بن روح الأبلي وقال‏:‏ قال أبو حاتم يكتب حديثه وقال أبو زرعة‏:‏ منكر الحديث‏.‏

1655 - ‏(‏أمناء المسلمين على صلاتهم وسحورهم المؤذنون‏)‏ أي هم حافظون عليهم دخول الوقت لأجل الصلاة والصوم فيه فمتى قصروا فيما عليهم من رعاية الوقت بتقدم أو تأخر فقد خانوا ما ائتمنوا عليه من أوقات الصلوات وما يتبعها من وظائف العبادات‏.‏

- ‏(‏هق عن أبي محذورة‏)‏ الجمحي المكي المؤذن أوس وقيل سمرة‏.‏

1656 - ‏(‏أمنع الصفوف‏)‏ أي أحوطها وأحرزها ‏(‏من الشيطان‏)‏ أي من وسوسته ‏(‏الصف الأول‏)‏ أي الذي يلي الإمام ولعله لكثرة الملائكة حول الإمام فبذلك يضعف سلطان الشيطان وهذا مسوق للحث على تأكد الاهتمام بإيثاره والمحافظة على ملازمته‏.‏

- ‏(‏أبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏‏)‏ عبد اللّه بن جعفر في الثواب وكذا الديلمي ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ وفيه محمد بن سنان قال الذهبي في الضعفاء كذبه أبو داود وابن خراش وقال الدارقطني لا بأس به وحكيم بن سيف قال أبو حاتم صدوق ولا يحتج به ووثق وهشام أبو المقدام قال النسائي وغيره متروك‏.‏

1657 - ‏(‏أمّنوا‏)‏ بالتشديد أي قولوا آمين ندباً ‏(‏إذا قرئ‏)‏ بالبناء للمفعول وفي نسخة للفاعل أي قرأ الإمام في الصلاة أو قرأ أحدكم خارجها ‏(‏غير المغضوب عليهم ولا الضالين‏)‏ أي إذا انتهى في قراءته إلى ذلك وورد في غير ما حديث تعليله بأن الملائكة تؤمن على قراءته فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له‏.‏

- ‏(‏ابن شاهين‏)‏ عمر ‏(‏في السنة‏)‏ أي في كتاب السنة له ‏(‏عن علي‏)‏ أمير المؤمنين‏.‏

1658 - ‏(‏أميران‏)‏ تثنية أمير وهو صاحب الأمر والولي وكل من ترغب في مشاورته أو مؤامرته فهو أميرك ‏(‏وليسا بأميرين‏)‏ الإمرة المتعارفة وهما ‏(‏المرأة تحج مع القوم‏)‏ الحجاج ‏(‏فتحيض قبل أن تطوف بالبيت طواف الزيارة فليس لأصحابها أن ينفروا حتى يستأمروها‏)‏ واستنبط منه شافعيون أن على أمير الحاج الإمساك عن الرحيل عن مكة لأجل حائض لم تطف للإفاضة ولم ترد الإقامة بمكة‏.‏ قال المحب الطبري‏:‏ كالمجموع سكت عنه أصحابنا وهو مذهب مالك ويلزم الجمال حبس الجمال لها أكثر مدة الحيض ‏(‏والرجل يتبع الجنازة فيصلي عليها فليس له أن يرجع حتى يستأمر أهلها‏)‏ يعني لا ينبغي له أن يرجع حتى يستأذنهم وانتزع منه بعض العلماء أنه لا يجوز له الانصراف بدون إذن ولي الميت وحكى عن مالك وقيده بعض أتباعه بما إذا لم يطل وذهب الجمهور إلى خلافه محتجين بأن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم جعل لمن لم يشهد الدفن قيراطاً فدل على جواز الانصراف قبل الدفن بغير إذن، وأقول ما استدلوا به لا ينهض شبهة فضلاً عن حجة إذ ليس في خبر القيراط ما يؤذن بأن شرطه أن لا ينصرف إلا بإذن وبفرض تسليمه فالجهة منفكة‏.‏

- ‏(‏المحاملي‏)‏ بفتح الميم والحاء وسكون الألف وكسر الميم نسبة إلى المحامل التي تحمل الناس في السفر وهو القاضي أبو عبد اللّه الحسين بن إسماعيل الضبي سمع البخاري والدروقي وابن الصباح وخلقاً وعنه الطبراني والدارقطني وغيرهما‏.‏ قال السمعاني‏:‏ ثقة كان يحضر مجلس إملائه عشرة آلاف رجل مات سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مئة ‏(‏في أماليه‏)‏ الحديثية وكذا البزار وأبو نعيم والديلمي كلهم ‏(‏عن جابر‏)‏ قال في الميزان تفرد به عمرو بن عبد الغفار الفقيمي وعمرو متهم بالوضع وقد سرقه آخر من الفقيمي أو الفقيمي سرقه منه وقال ابن القطان عمرو متهم بالوضع وخرجه العقيلي من حديث أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه‏.‏ قال في المطامح‏:‏ ومداره على أبي سفيان وغيره من الضعفاء الذين لا يحتج بهم‏.‏

1659 - ‏(‏إن اللّه أبى عليّ فيمن قتل مؤمناً‏)‏ - ‏[‏إذ هو كفر كمن استحل شرب الخمر أو منع الزكاة أو ترك الصلاة‏.‏ دار الحديث‏]‏- ظلماً يعني سألته أن يقبل توبته فامتنع أشدّ امتناع قال ذلك ‏(‏ثلاثاً‏)‏ أي ‏[‏ص 199‏]‏ كرره ثلاث مرات للتأكيد هذا إن كان ثلاثاً من لفظ الصحابي فإن كان من الحديث فالمعنى سألته ثلاث مرات فامتنع وفي رواية للخطيب ما يقتضي الأول وهذا يخرج مخرج الزجر والتهويل كأنه علم أن ذلك القاتل ليس ممن أناب حق الإنابة أو المراد من استحل القتل ظلماً

- ‏(‏حم ن ك عن عقبة بن مالك‏)‏ الليثي له صحبة قال‏:‏ بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سرية فأغاروا على قوم فشذ رجل منهم فاتبعه رجل من السرية فقال‏:‏ إني مسلم فلم ينظر إليه فقتله فنمى الخبر إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال فيه قولاً شديداً فأتاه القاتل وهو يخطب فقال ما قال الذي قال إلا تعوذاً فأعرض ثم أخذ خطبته فقال الثالثة فأقبل عليه النبي صلى اللّه تعالى عليه وآله وسلم تعرف المساء في وجهه فقال‏:‏ إن اللّه إلى آخره قال الهيثمي‏:‏ رجال أحمد رجال الصحيح غير بشر بن عاصم الليثي وهو ثقة‏.‏ وقال العراقي في أماليه حديث صحيح وقال الذهبي في الكبائر على شرط مسلم‏.‏

1660 - ‏(‏إن اللّه أبى لي أن أتزوج‏)‏ امرأة أو ‏(‏أزوج‏)‏ من أهلي امرأة ‏(‏إلا من أهل الجنة‏)‏ يعني منعني من مصاهرة من يختم له بعمل أهل النار فيخلد فيها وهذه بشارة جليلة لأصهاره‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في التاريخ ‏(‏عن هند بن أبي هالة‏)‏ التميمي ولد خديجة قتل مع علي رضي اللّه تعالى عنه يوم الجمل شهد أحداً وغيرها وإسناده ضعيف لكن يعضده خبر الحاكم وغيره سألت ربي أن لا أتزوج إلى أحد من أمتي ولا يتزوج مني أحد من أمتي إلا كان معي في الجنة‏.‏

1661 - ‏(‏إن اللّه تبارك وتعالى‏)‏ قال التوربشتي‏:‏ تبارك تفاعل من البركة وهي الكثرة والاتساع وتبارك أي بارك مثل قاتل لكن فاعل يتعدى وتفاعل لا يتعدى ومعناه تعالى وتعظم وكثرت بركاته في السماوات والأرض إذ به تقوم وبه تستنزل الخيرات وذلك تنبيه على اختصاصه سبحانه بالخيرات الإبداعية والبركات المتوالية ‏(‏اتخذني خليلاً‏)‏ قال الحرالي‏:‏ من المخاللة وهي المداخلة فيما يقبل التداخل حتى يكون كل واحد خلال الآخر وموقع معناها الموافقة في وصف الرضى والسخط فالخليل من رضاه رضى خليله وفعاله فعاله وهذه رتبة لا تنال بجد ولا اجتهاد ‏(‏كما اتخذ إبراهيم خليلاً‏)‏ لأن اللّه تعالى لما علم من كل منهما أحوالاً بديعة وأسراراً غريبة عجيبة وصفات قد رضيها أهلهما لمخاللته ومخالطته‏.‏ قال ابن القيم‏:‏ وما ظنه بعض المخالطين أن المحبة أكمل من الخلة وأن إبراهيم خليل ومحمد حبيب فمن جهله فإن المحبة عامة والخلة خاصة والخلة نهاية المحبة‏.‏

- ‏(‏وأن خليلي‏)‏ من البشر ‏(‏أبو بكر‏)‏ - أي الصديق رضي اللّه عنه فهو أفضل الناس على الإطلاق بعد الأنبياء- وأما خبر لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر فقاله قبل العلم وفي رواية لابن ماجه بعد‏:‏ ‏{‏كما اتخذ اللّه إبراهيم خليلاً‏}‏ فمنزلي ومنزل إبراهيم يوم القيامة في الجنة تجاهين والعباس بيننا مؤمن بين خليلين وفي رواية للحاكم علي بدل العباس وفي الكل مقال ‏(‏طب عن أبي أمامة‏)‏ قال الحافظ العراقي‏:‏ سنده ضعيف وبينه تلميذه الهيثمي وقال‏:‏ فيه يحيى الحماني وهو ضعيف، وأقول لم أر يحيى في سنده فلعله في محل آخر وإنما رأيت فيه عبيد اللّه بن زحر ومر أن الذهبي قال له صحيفة واهية‏.‏

1662 - ‏(‏إن اللّه تعالى‏)‏ حال لازمة أي متعالياً عما لا يليق بعلى جناب قدسه ‏(‏أجاركم‏)‏ حماكم ومنعكم وأنقذكم وحفظكم ‏(‏من ثلاث خلال‏)‏ أي خصال‏:‏ الأولى ‏(‏أن لا يدعو عليكم نبيكم‏)‏ كما دعي نوح على قومه ‏(‏فتهلكوا‏)‏ بكسر اللام ‏(‏جميعاً‏)‏ أي بل كان النبي صلى اللّه عليه وسلم كثير الدعاء لأمته واختبأ دعوته المجابة لأمته يوم القيامة، والثانية ‏(‏أن لا يظهر‏)‏ ‏[‏ص 200‏]‏ بضم أوله وكسر ثالثه ‏(‏أي لا يغلب أهل‏)‏ دين ‏(‏الباطل‏)‏ وهو الكفر وإن كثر أنصاره ‏(‏على‏)‏ دين ‏(‏أهل الحق‏)‏ وهو الإسلام وإن قلت أعوانه فلا يغلب الحق بحيث يمحقه ويطفىء نوره قال التوربشتي‏:‏ ولم يكن ذلك بحمد اللّه مع ما ابتلينا به من الأمر الفادح والمحنة العظمى بتسلط الأعداء علينا ومع استمرار الباطل فالحق أبلج والشريعة قائمة لم تخمد نارها ولم يندرس منارها، وقال القاضي‏:‏ المراد بالظهور الظفر المؤدي إلى قمع الحق وإبطاله بالكلية ولعله أراد به أن أهل الكفر والإيمان إذا تحاربوا على الدين ولم يكن غرض سواه لم تظفر الكفار على المسلمين انتهى، ومن ذهب إلى أن المراد لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق مطلقاً يحتاح لحمله على الظهور وكل الظهور، وقيل هو عند نزول عيسى عليه السلام فلا يبقى إلا الإسلام أو خروج المهدي وقيل المراد إظهار الحق بالحجج والبراهين والقصد أن أهل الباطل وإن ظهروا فمآل أمرهم إلى الأفول والخمول، والثالثة ‏(‏أن لا تجتمعوا على ضلالة‏)‏ قال الطيبي‏:‏ حرف النفي في القرائن زائد كقوله تعالى ‏{‏ما منعك ألا تسجد‏}‏ وفائدته توكيد معنى الفعل وتحقيقه وذلك لأن الإجارة لا تستقيم إلا إذا كانت الخلال مثبتة لا منفية وفيه أن إجماع أمته حجة وهو من خصائصهم وقضية تصرف المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته فهؤلاء أجاركم اللّه منهن، وأن ربكم أنذركم ثلاثاً الدخان يأخذ المؤمن منه كالزمكة ويأخذ الكافر فينتفخ والثانية الدابة والثالثة الدجال هكذا ساقه الحافظ ابن حجر في تخريج المختصر وتبعه الكمال بن أبي شريف مختصره فليعتمد‏.‏

- ‏(‏د‏)‏ في الفتن وكذا الطبراني وغيره ‏(‏عن أبي مالك الأشعري‏)‏ قال في المنار‏:‏ هذا الحديث منقطع ثم اندفع في بيانه وأطال وقال المناوي‏:‏ فيه محمد بن إسماعيل بن عياش عن أبيه قال أبو حاتم لم يسمع من أبيه وقال المنذري أبوه تكلم فيه غير واحد، وقال ابن حجر في إسناده انقطاع وله طرق لا يخلو واحد منها من مقال وقال في موضع آخر سنده حسن فإنه من رواية ابن عياش عن الشاميين وهي مقبولة وله شاهد عند أحمد رجاله ثقات لكن فيه راو لم يسم، وقال في تخريج المختصر اختلف في أبي مالك راوي هذا الحديث من هو فإن في الصحب ثلاثة يقال لكل منهم أبو مالك الأشعري أحدهم راوي حديث المعازف وهو مشهور بكنيته وفي اسمه خلف‏.‏ الثاني الحارث بن الحارث مشهور باسمه أكثر‏.‏ الثالث كعب بن عاصم مشهور باسمه دون كنيته حتى قال المزني في ترجمته لا يعرف له كنية وتعقب بأن الشيخين والنسائي كنوه وذكر المزي هذا الحديث في ترجمة الثاني‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وصح لي أنه الثالث لأن ابن أبي عاصم لما خرج الحديث المذكور عن محمد بن عوف قال في سياق سنده عن كعب بن عاصم الأشعري بدل أبي مالك الأشعري فدل على أنه هو إلا أن يكون ابن أبي عاصم تصرف في التسمية بظنه وهو بعيد

1663 - ‏(‏إن اللّه احتجر التوبة‏)‏ منعها والحجر المنع وفي رواية للبيهقي احتجب وفي رواية له حجب ‏(‏عن كل صاحب بدعة‏)‏ وإن كان زاهداً متعبداً فعاقبته خطرة جداً والمراد بالبدعة هنا أن يعتقد في ذات اللّه وصفاته وأفعاله خلاف الحق فيعتقده على خلاف ما هو عليه نظراً وتقليداً فإذا قرب موته فظهرت له ناصية ملك الموت اضطرب قلبه بما فيه وانكشف له بطلان بعض معتقده وكان قاطعاً به فيكون سبباً لبطلان بقية اعتقاداته أو شكه فيها فإن خرجت روحه قبل أن يثبت ويعود إلى أصل الإيمان فهو من أهل النيران‏.‏

- ‏(‏ابن فيد‏)‏ وفي نسخ ابن فيل أي في جزئه كما في الكبير ‏(‏طب هب والضياء‏)‏ في المختارة ‏(‏عن أنس‏)‏‏.‏

1664 - ‏(‏إن اللّه إذا أحب عبداً جعل رزقه كفافاً‏)‏ أي بقدر الكفاية لا يزيد عليها فيطغيه ولا ينقص عنها فيؤذيه فإن الغنى مبطرة مأشرة والفقر مذلة مأسرة‏.‏ قال الغزالي رحمه اللّه تعالى‏:‏ مر موسى عليه الصلاة والسلام برجل نائم على التراب متوسداً لبنة وهو متزر بعباءة فقال‏:‏ يا رب عبدك هذا في الدنيا ضائع قال أما علمت أني إذا نظرت إلى عبدي بوجهي كله زويت ‏[‏ص 201‏]‏ عنه الدنيا وقالوا قل من تكثر عليه الدنيا وإلا وتكثر غفلته عن اللّه لأن العبد كلما كان أكثر حاجة إلى اللّه كان الحق على باله بخلاف ما لو أعطاه قوت سنة مثلاً فإن غفلته تكثر‏.‏

- ‏(‏أبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏‏)‏ وكذا الديلمي ‏(‏عن علي‏)‏ أمير المؤمنين وفيه إسماعيل بن عمرو البجلي ضعفوه وعلي بن هاشم غال في التشيع وعبيد اللّه بن الوليد ضعفوه‏.‏

1665 - ‏(‏إن اللّه تعالى‏)‏ تفاعل من علو القدر والمنزلة هنا وأصل تفاعل التعاطي العقل كتخاشع وكذا تفعل كتكبر وهما في حق الباري تعالى بمعنى التفرد لا بمعنى التعالي ذكره العكبري ‏(‏إذا أحب إنفاذ‏)‏ بمعجمة ‏(‏أمر‏)‏ أي أراد إمضاءه ‏(‏سلب كل ذي لب لبه‏)‏ حتى لا يدرك به مواقع الصواب ويتجنب ما يوقعه في المهالك والأعطاب فهو إشارة إلى أن قضاء اللّه لا بد من وقوعه ولا يمنع منه عقل ولا غيره ‏(‏أنشد غلام ثعلب‏)‏

إذا أراد اللّه أمراً بامرئ * وكان ذا رأي وعقل وبصر * وحيلة يعملها في كل ما

يأتي به محتوم أسباب القدر * أغراه بالجهل وأعمى عينه * وسل منه عقله سل الشعر

حتى إذا أنفذ فيه حكمه * ردّ عليه عقله ليعتبر

- ‏(‏خط‏)‏ وكذا أبو نعيم ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ ظاهر صنيع المؤلف أن الخطيب خرجه ساكتاً عليه وليس كما وهم بل أعله بلاحق بن حسين وقال إنه يضع وقال في موضع آخر كان كذاباً إذ كان يضع الحديث على الثقات ويسند المراسيل انتهى فعزوه له مع حذف ما عقبه به من هذه العلة التي هي أقبح العلل غير صواب‏.‏

1666 - ‏(‏إن اللّه إذا أراد إمضاء أمر نزع‏)‏ أي قلع وأذهب ‏(‏عقول الرجال‏)‏ أي الكاملين في الرجولية الراسخين في العقل فلذا لم يقل الناس مثلاً ‏(‏حتى يمضي أمره فإذا أمضاه ردّ إليهم عقولهم‏)‏ ليعتبروا بهم ‏(‏ووقعت الندامة‏)‏ منهم على ما كان فإذا أنت أحكمت باب اليقين وجزمت بأنه لا بد من وقوع القضاء المبرم هان عليك الأمر وارتفعت الندامة ورضيت النفس بما أصابها هذا هو الكمال ومن لم يصل إليه فليستعمل الصبر ويمرن نفسه على الرضى بالقضاء وينتظر وعد اللّه بأن عليه صلوات من اللّه ورحمة وفي الصبر خير كثير ‏(‏تنبيهات‏)‏ قال بعضهم لا بد للعبد من إسدال الحجاب عليه حتى يقع في المعصية وإلا فعصيانه ربه مع الكشف وشهوده أنه يراه لا يكون أبداً وهذا من رحمته تقدس بعصاة الموحدين فإن مجاهرة الحق بمحرم مع شهود أنه يراه قلة احترام للجناب الإلهي يوجب تشديد العقاب ‏.‏

سأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن الهدهد كيف ينظر الماء تحت الأرض ولا يرى الفخ تحت التراب قال إذا جاء القضاء عمي البصر فصار ذلك من الأمثال عند العرب‏.‏

- ‏(‏أبو عبد الرحمن السلمي في‏)‏ كتابه ‏(‏سنن الصوفية‏)‏ الذي وضعه لهم ‏(‏عن جعفر بن محمد‏)‏ الصادق وأمه فروة بنت القاسم بن محمد وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر فكان يقول ولدني الصديق مرتين وثقه ابن معين وقال أبو حنيفة رضي اللّه عنه ما رأيت أفقه منه ‏(‏عن أبيه‏)‏ محمد الصادق ‏(‏عن جده‏)‏ وسبق عن الخطيب أن السلمي هذا وضاع لكن فيه نزاع‏.‏

1667 - ‏(‏إن اللّه تعالى إذا أنزل سطواته‏)‏ جمع سطوة - يقال سطا عليه يسطو سطواً قهره وأذله وهو البطش بشدة اهـ- قهره وشدة بطشه وفي رواية ابن حبان سطوته بالإفراد ‏(‏على أهل نقمته‏)‏ أي المستوجبين لها ‏(‏فوافت آجال قوم صالحين فأهلكوا بهلاكهم ثم يبعثون على‏)‏ حسب ‏(‏نياتهم وأعمالهم‏)‏ ‏[‏ص 202‏]‏ أي بعث كل واحد منهم على حسب أعماله من خير وشر فإن كانت نيته وعمله صالحة فعقباه صالحة وإلا فسيئة فذلك العذاب طهرة للصالح ونقمة على الفاسق فالصالح ترفع درجاته والطالح تسفل دركاته فلا يلزم من الاشتراك في الموت الاشتراك في الثواب والعقاب بل يجازى كل واحد بعمله على حسب نيته ومن الحكم العدل أن أعمالهم الصالحة إنما يجازون عليها في الآخرة أما في الدنيا فمهما أصابهم من بلاء فهو تكفير لما قدموه من عمل سيء والنقمة عقوبة المجرم والفعل من نقم بالفتح والكسر ذكره القاضي وذهب ابن أبي جمرة إلى أن الذين يقع لهم ذلك بسبب سكوتهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اهـ‏.‏ وذهب بعضهم إلى التعميم تمسكاً بآية ‏{‏فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم‏}‏ وأخذ منه مشروعية الهرب من الكفار والظلمة لأن الإقامة معهم من إلقاء النفس في التهلكة‏.‏

- ‏(‏هب عن عائشة‏)‏ وهو صحيح ورواه عنها أيضاً ابن حبان في صحيحه بلفظ إن اللّه إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصالحون قبضوا معهم ثم بعثوا على نياتهم وأعمالهم‏.‏

1668 - ‏(‏إن اللّه إذا أنعم على عبد نعمة‏)‏ وهي كل ملائم تحمد عاقبته كما سبق ‏(‏يحب أن يرى أثر النعمة عليه‏)‏ لأنه إنما أعطى عبده ما أعطاه ليبرزه إلى جوارحه ليكون مهاباً بها مكرماً فإذا منعه فقد ظلم نفسه وضيعها ‏(‏ويكره البؤس‏)‏ وهو شدة الحال والفاقة والذلة ‏(‏والتباؤس‏)‏ إظهار الفقر وشدة الحاجة ‏(‏ويبغض السائل الملحف‏)‏ أي الملازم الملح ‏(‏ويحب الحيي العفيف‏)‏ أي المنكف عن الحرام والسؤال للناس ‏(‏المتعفف‏)‏ أي المتكلف العفة قال الحرالي‏:‏ التعفف تكلف العفة وهو كف ما يبسط للشهوة من الآدمي إلا بحقه ووجهه وفيه أنه يندب لكل أحد بل يتأكد على من يقتدي به تحسين الهيئة والمبالغة في التجمل والنظافة والملبوس بجميع أنواعه لكن التوسط نوعاً من ذلك بقصد التواضع للّه تعالى أفضل من الأرفع إلا إن قصد به إظهار النعمة والشكر عليها كما اقتضاه هذا الحديث والتوسعة على العيال لكن بغير تكلف كقرض لحرمته على فقير جهل المقرض إلا إذا كان له ما يتيسر الوفاء منه إذا طولب‏.‏

- ‏(‏هب عن أبي هريرة‏)‏ قال الذهبي في المهذب إسناده جيد‏.‏

1669 - ‏(‏إن اللّه تعالى إذا رضي عن العبد أثنى‏)‏ أي أعلم ملائكته فيثنون عليه ثم يقذف ذلك في قلوب أهل الأرض فيثنون ‏(‏عليه بسبعة أصناف من الخير لم يعمله‏)‏ يعني أنه يقدر له التوفيق لفعل الخير في المستقبل ويثني عليه به قبل صدوره منه بالفعل‏.‏ قال في الكشاف في تفسير ‏{‏ولينصرن اللّه من ينصره‏}‏ وعن عثمان هذا واللّه ثناء قبل بلاء يريد أن اللّه قد أثنى عليهم قبل أن يحدثوا من الخير ما أحدثوا‏.‏ إلى هنا كلامه، وقال الصوفية الجناية لا تضر مع العناية، وفي تفسير البغوي أن داود عليه السلام سأل اللّه أن يريه الميزان فأراه كل كفة كما بين المشرق والمغرب، فقال‏:‏ يا رب ومن يستطيع يملأ هذه حسنات‏؟‏ فقال‏:‏ يا داود إني إذا رضيت على عبدي ملأتها بتمرة ‏(‏وإذا سخط على العبد أثنى عليه بسبعة أصناف من الشر لم يعمله‏)‏ هذا ينبئك بأن الثناء من اللّه على عبده بسريرته فيما بينه وبينه وبما قسم له بعد لأن الخلق إنما عاينوا علانية والحق يثني عليهم بما غاب عنهم وبما ‏[‏ص 203‏]‏ سيكون منه وإنما يثني عليه بأضعاف ما لم يعمله لما سيكون منه وذلك لأنه كما بين الرزق تفاوت في القسمة بين الثناء والثناء فقسمة الرزق على التدبير في الظاهر وقسمة الثناء ومقابلة على منازل العباد عند خالقهم في الباطن قال ابن أقبرس‏:‏ الثناء أعم من المدح والحمد ومقتضاه كونه ذكراً لسانياً كالمدح والحمد أو لسانياً وخارجياً كالشكر وكل ذلك محال عليه تعالى فالثناء منه بضرب تجوز وفيه حجة لمن قال إن الثناء استعمل في الخير والشر ‏(‏تتمة‏)‏ قال الدقاق رحمه اللّه تعالى‏:‏ مر بشر بجمع من الناس فقالوا هذا رجل لا ينام الليل ولا يفطر إلا في كل ثلاثة أيام مرة فبكى وقال‏:‏ إني لا أذكر أني سهرت ليلة كاملة ولا صمت يوماً لم أنظر من ليلته ولكن اللّه يلقي في القلوب أكبر مما يفعله العبد تفضلاً وتكرماً‏.‏

- ‏(‏حم حب‏)‏ وكذا أبو يعلى ‏(‏عن أبي سعيد‏)‏ الخدري قال الهيثمي‏:‏ رجاله وثقوا على ضعف في بعضهم انتهى وقال ابن الجوزي حديث لا يصح‏.‏

1670 - ‏(‏إن اللّه إذا قضى على عبد قضاء‏)‏ أي مبرماً من سعادة أو شقاوة ‏(‏لم يكن لقضائه مرد‏)‏ أي راد يعني ليس هم كملوك الدنيا بحال بينهم وبين بعض ما يريدونه لشفاعة أو غيرها فمن قضى له بالسعادة فهو من أهلها وبالشقاوة فمن أهلها لا راد لقضائه بالنقض ولا معقب لحكمه بالرد وهو القادر على كل شيء وغيره عاجز عن كل شيء وأما خبر الدعاء يرد القضاء فمحله في غير السعادة والشقاوة وهو الذي قيل فيه للمصطفى صلى اللّه عليه وسلم ‏{‏ليس لك من الأمر شيء‏}‏‏.‏

قال العارف ابن عربي رضي اللّه تعالى عنه‏:‏ القدرة من شرطها الإيجاد إذا ساعدها القضاء والإرادة فإياك والعادة وكلما أدى إلى نقص الألوهية مردود ومن جعل في الوجود الحادث ما ليس بمراد اللّه فهو عن المعرفة مردود مطرود وباب التوحيد في وجهه مسدود‏.‏

- ‏(‏ابن قانع‏)‏ في معجمه ‏(‏عن شرحبيل‏)‏ بضم المعجمة وفتح الراء وسكون المهملة ‏(‏ابن السمط‏)‏ بكسر المهملة وسكون الميم وقيل بفتح المهملة وكسر الميم الكندي الشامي قال في الكاشف مختلف في صحبته وجزم ابن سعد بأن له وفادة وهو ضعيف مات بصفين‏.‏

1671 - ‏(‏إن اللّه إذا أراد بالعباد نقمة‏)‏ بكسر أوله عقوبة ‏(‏أمات الأطفال وعقم النساء‏)‏ أي منع المني أن ينعقد في أرحامهن ولذا قال في الصحاح‏:‏ أعقم اللّه رحمها فعقمت إذا لم تقبل الولد ورحم معقومة أي مسدودة لا تلد ‏(‏فتنزل بهم النقمة وليس فيهم مرحوم‏)‏ لأن سلطان الانتقام إذا ثار حنت الرحمة في محلها بين يدي اللّه تعالى حنين الوالهة فتطفئ تلك الثائرة فإذا لم يكن فيهم مرحوم ثار السلطان بالعقوبات واعتزلت الرحمة فحلت بهم النقمة، فافهم أسرار كلام الشارع-فينبغي التلطف بالأطفال والشفقة عليهم فإن دعت الحاجة إلى التأديب فالتأديب أولى من تركه اهـ- وهذا الحديث أورده الحافظ ابن حجر بمعناه من غير عزو ثم قال‏:‏ ليس له أصل وعموم حديث مسلم الآتي العجب أن ناساً من أمتي إلخ يرده وقد شوهدت السفينة ملآى من رجال ونساء وأطفال تغرق فيهلكون جميعاً، ومثله الدار الكبيرة تحترق والرفقة الكثيرة يخرج عليها القطاع فيهلكون جميعاً أو أكثرهم والبلد تهجمها الكفار فيبذلون السيف في المسلمين وقد وقع ذلك من الخوارج فالقرامطة فالتتر واللّه المستعان‏.‏ إلى هنا كلامه‏.‏ ومما يقوي ما رواه خبر البخاري أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث‏.‏

- ‏(‏الشيرازي في‏)‏ كتاب ‏(‏الألقاب له عن حذيفة‏)‏ بن اليمان ‏(‏وعمار بن ياسر معاً‏)‏ دفع به توهم أنه عن واحد منهما على الشك‏.‏

1672 - ‏(‏إن اللّه تعالى إذا أراد أن يهلك عبداً‏)‏ من عباده ‏(‏نزع منه الحياء‏)‏ منه تعالى أو من الخلق أو منهما جميعاً ‏(‏فإذا ‏[‏ص 204‏]‏ نزع منه الحياء لم تلقه‏)‏ أي لم تجده ‏(‏إلا مقيتاً‏)‏ فعيل بمعنى فاعل أو مفعول من المقت وهو أشد الغضب ‏(‏ممقتاً‏)‏ بالتشديد والبناء للمجهول أي مبغوضاً بين الناس كثيراً مغضوباً عليه عندهم وحاصله يبغض الناس ويبغضونه جداً ‏(‏فإذا لم تلقه إلا مقيتاً ممقتاً‏)‏ أي إلا موسوماً بذلك ‏(‏نزعت منه الأمانة‏)‏ وأودعت فيه الخيانة ‏(‏فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلا خائناً‏)‏ فيما جعل أميناً عليه ‏(‏مخوناً‏)‏ بالتشديد والبناء للمجهول أي منسوباً إلى الخيانة بين الناس محكوماً له بها عندهم إذا صار بهذا الوصف ‏(‏نزعت منه الرحمة‏)‏ التي هي رقة القلب والعطف على الخلق ‏(‏فإذا نزعت منه الرحمة لم تلقه إلا رجيماً‏)‏ أي مطروداً وأصل الرجم الرمي بالحجارة فعيل بمعنى مفعول أي مرجوم ‏(‏ملعناً‏)‏ بضم الميم وفتح اللام والتشديد أي مطروداً عن منازل الأخيار ودرجات الأبرار أو يلعنه الناس كثيراً وإذا صار كذلك ‏(‏نزعت منه ربقة الإسلام‏)‏ بكسر الراء وقد تفتح وسكون الموحدة التحتية أصلها عروة في حبل يجعل في عنق الدابة يمسكها استعير للإسلام يعني ما يشد به نفسه من عرى الإسلام أي ما حدوده وأحكامه قال الحكيم‏:‏ بين به أن الحجاب الأعظم حجاب الحياء وتلك الحجب فروعه انتهى وبه عرف أن الحياء أشرف الخصال وأكمل الأحوال وأس خلال الكمال لكن ينبغي أن يراعي فيه القانون الشرعي فإن منه ما يذم كحياء من أمر بمعروف أو نهي عن منكر فإنه جبن لا حياء ومنه الحياء في العلم المانع للسؤال ومن ثم ورد في خبر إن ديننا هذا لا يصلح لمستحي‏:‏ أي حياء مذموماً‏.‏

- ‏(‏ه عن ابن عمر‏)‏ ابن الخطاب وضعفه المنذري‏.‏

1673 - ‏(‏إن اللّه تعالى إذا أحب عبداً‏)‏ أي رضي عنه وأراد به خيراً وهداه ووفقه ‏(‏دعا جبريل‏)‏ أي أذن له في القرب من حضرته ‏(‏فقال‏)‏ له ‏(‏إني أحب فلاناً فأحببه‏)‏ أنت يا جبريل وهو بهمزة قطع مفتوحة فحاء مهملة ساكنة على الفك ‏(‏فيحبه جبريل‏)‏ فالضمير في نادى إلى اللّه تعالى يعني إذا أراد اللّه تعالى إظهار محبة عبد يعلمها أولاً ‏(‏ثم ينادي‏)‏ أي جبريل ‏(‏في السماء‏)‏ أي في أهلها ‏(‏فيقول إن اللّه‏)‏ وفي رواية بدون يقول وعليها هو بكسر الهمزة على إضمار القول عند البصريين وعند الكوفيين على أن في النداء معنى القول ‏(‏يحب فلاناً فأحبوه‏)‏ بتشديد الموحدة أنتم ‏(‏فيحبه أهل السماء‏)‏ أي الملائكة ‏(‏ثم يوضع له القبول في‏)‏ أهل ‏(‏الأرض‏)‏ أي يحدث له في القلوب مودة ويزرع له فيها مهابة فتحبه القلوب وترضى عنه النفوس من غير تودد منه ولا تعرض للأسباب التي تكتسب لها مودات القلوب من قرابة أو صداقة أو اصطناع وإنما هو اختراع منه ابتداء اختصاصاً منه لأوليائه بكرامة خاصة كما يقذف في قلوب أعدائه الرعب والهيبة إعظاماً لهم وإجلالاً لمكانهم ذكره الزمخشري‏.‏ قال بعضهم‏:‏ وفائدة ذلك أن يستغفر له أهل السماء والأرض وينشأ عندهم هيبة وإعزازهم له ‏{‏وللّه العزة ولرسوله وللمؤمنين‏}‏ قال العارف ابن عربي رضي اللّه تعالى عنه‏:‏ وإذا وقع النداء بمحبته قبلته جميع البواطن وإن أنكرته الظواهر من بعض الناس فلأغراض قامت بهم وهم في هذا كسجودهم للّه كل من في العالم ساجد وكثير من الناس ما قال كلهم وهكذا حال هذا العبد تحبه بقاع الأرض كلها وجميع ما فيها وكثير من الناس على أصلهم في السجود للّه تعالى وفي تاريخ الخطيب في ترجمة خير النساج عنه إذا أحبك ذلك وعافاك وإذا أحببته أتعبك وأبلاك‏.‏ قال ابن الأثير‏:‏ والقبول بفتح القاف المحبة والرضى بالشيء وميل النفس إليه‏.‏ قال الغزالي رضي اللّه تعالى عنه‏:‏ لا تستبعد رضى اللّه عن العبد مما يغضب به على غيره، ألا ترى إلى قول موسى عليه ‏[‏ص 205‏]‏ الصلاة والسلام ‏{‏إن هي إلا فتنتك‏}‏{‏ولهم على ذنب فأخاف أن يقتلون‏}‏ وهذا من غير موسى عليه السلام من سوء الأدب لكن من أقيم مقام الأنس يتلاطف ويحتمل ولم يحتمل من يونس عليه الصلاة والسلام ما دون ذلك لكونه أقيم مقام القبض والهيبة فعوقب بما عوقب به وذلك الاختلاف إما لاختلاف المقامات أو لما سبق في الأزل من التفاضل‏.‏ وانظر كيف احتمل إخوة يوسف عليه السلام ما فعلوه بيوسف عليه السلام ولم يحتمل للعزيز كلمة واحدة سأل عنها في القدر وكان بلعم بن باعوراء من أكابر العلماء فأكل الدنيا بالدين فلم يحتمل له ذلك وكان آصف من المسرفين فعفى عنه أوحى اللّه إلى سليمان عليه الصلاة والسلام يا رأس العابدين ويا محجة الزاهدين إلى كم يعصيني ابن خالتك آصف وأنا أحلم عنه لئن أخذته لأتركنه مثلة لمن معه ونكالاً لمن بعده فخرج آصف حتى علا كثيباً ثم رفع رأسه وقال إلهي وسيدي أنت أنت وأنا أنا فكيف أتوب إن لم تتب عليّ وكيف أعتصم إن لم تعصمني فأوحى اللّه إليه صدقت يا آصف قد تبت عليك وأنا التواب الرحيم‏.‏ قال الغزالي رضي اللّه عنه‏:‏ هذا كلام مدل به عليه وهارب منه إليه فهذه سنة اللّه في عباده بالتقديم والتأخير على ما سبقت به المشيئة الأزلية ‏(‏وإذا أبغض عبداً‏)‏ أي أراد به شراً أو أبعده عن الهداية ‏(‏دعا جبريل فيقول إني أبغض فلاناً فأبغضه فيبغضه جبريل‏)‏ يحتمل أن يريد عدم استغفاره له وعدم دعائه له ويحتمل إرادة المعنى الحقيقي وهو عدم الميل القلبي والنفرة منه ‏(‏ثم ينادي في أهل السماء إن اللّه يبغض فلاناً فأبغضوه فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض‏)‏ أي فيبغضه أهل الأرض جميعاً فلا تميل إليه قلوبهم بل تميل عنه وينظرون إليه بعين النقص والإزراء وتسقط مهابته من النفوس وإعزازه من الصدور من غير صدور إيذاء منه لهم ولا جناية عليهم‏.‏ وقيل‏:‏ إن بغضه يلقى في الماء فلا يشربه أحد إلا أبغضه‏(‏1‏)‏‏.‏